30-مارس-2016

الحوار الوطني حول التشغيل(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

حينما يكون الحديث عن ملف التشغيل في تونس، فإنه يُطرح أكثر الملفات أهمية، حيث تصدّرت الشعارات المنادية بالحد من البطالة أولى شعارات الثورة. كما أكدت "انتفاضة التشغيل"، التي اندلعت بداية هذه السنة، وهي أكبر الانتفاضات الشعبية بعد الثورة، راهنية ملف توفير فرص العمل خاصة في ظلّ ارتفاع نسب البطالة. ولذلك، عندما تُطرح أزمة التشغيل على الطاولة، يؤكد الفاعلون السياسيون والمدنيون ضرورة رصد استراتيجية وطنية للحد من البطالة، تكون نتاج مؤتمر وطني للتشغيل، وهو ما تمّ طيلة الأيام الأخيرة.

بلغت نسبة البطالة في تونس نهاية السنة الماضية 15.4 في المئة أي أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل

حيث انعقد هذا المؤتمر الذي خرج بوثيقة بعنوان "إعلان تونس للتشغيل"، في حفل ختامي بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ومدير عام منظمة العمل الدولية. وليبقى التساؤل حول مدى تمثّل هذا الإعلان كخطوة استراتيجية فاعلة لحلّ الأزمة المتوارثة منذ سنوات. وربّما هي الصّدفة، من جانب آخر، التي جعلت تاريخ إصدار "إعلان تونس للتشغيل" يتصادف وذكرى ميلاد محمد البوعزيزي، ذلك الشاب الذي أطلق شرارة الثورة من سيدي بوزيد حينما أحرق نفسه يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2010.

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات القصرين.. هي انتفاضة المُعَطلين إذًا

وقد أشرفت الحكومة التونسية على تنظيم المؤتمر الوطني للتشغيل، الذي شارك في أشغاله فاعلون سياسيون ومدنيون وخبراء، وسط جدل حول منهجيته وسيطرة الهيئات الحكومية على مضامينه ومُخرجاته. وفي هذا الجانب، أعلن حزب البناء الوطني، الذي سبق وأطلق حملة "التشغيل استحقاق" نهاية السنة الفارطة، انسحابه من أشغال المؤتمر لما وصفها "عدم جدية الحكومة في معالجة هذه المعضلة من خلال إحالتها على لجان فنية وبيروقراطية عقيمة". كما تحدث الحزب عن استئثار الحكومة بصياغة التقرير التأليفي الختامي لأشغال المؤتمر.

أشرفت الحكومة التونسية على تنظيم المؤتمر الوطني للتشغيل وسط جدل حول منهجيته وسيطرة الهيئات الحكومية على مضامينه ومُخرجاته

وتمّ تنظيم أشغال المؤتمر وسط تواصل اعتصام عدد من العاطلين عن العمل أمام وزارة التشغيل. وشكّك فاعلون سياسيون ومدنيون في مدى تشريك مختلف الجهات المتداخلة في ملف التشغيل في ضبط الاستراتيجية الوطنية، وذلك سواء على مستوى التمثيل الفئوي أو كذلك التمثيل الجهوي.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. المفروزون أمنيًا على الطاولة!

وفي هذا السياق، يمثّل تحديد التوجهات الكبرى للمخططات التنموية عنصرًا محوريًا في ضبط معالم استراتيجية التشغيل، خاصة في ظلّ اختلال الميزان التنموي في تونس على مختلف المستويات ومنها مستوى التوزيع الجغرافي. حيث تشهد المناطق الداخلية، التي اندلعت منها شرارة الثورة، نسب بطالة مرتفعة مقابل المناطق الساحلية.

ولذلك، شدّدت وثيقة "إعلان تونس للتشغيل" على دعم الاقتصاد التضامني والاجتماعي، وهو ما يستلزم دورًا إيجابيًا من الدولة خاصة على مستوى ضبط سياسة تنموية عادلة بين الجهات. وتسعى الدولة لدفع القدرة التشغيلية للقطاع الخاصّ في انتظار تعديل مجلة الاستثمار من أجل تحفيز التسهيلات للمستثمرين الوطنيين والأجانب، خاصة في ظلّ تشديد الحكومة حرصها على التحكم في الانتدابات في القطاع العامّ الذي يعاني تضخمًا على مستوى عدد الموظفين وما يستتبعه من ثقل في الميزانية العامة للدولة.

وقد بلغت نسبة البطالة نهاية السنة الماضية 15.4 في المئة أي أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل، وهو ما توازى مع ضعف نسب النمو المسجلة في السنوات الأخيرة مع تسجيل نسبة 0.8 في المئة كنسبة نمو سنة 2015، وهي من أضعف نسب النمو في العقود الأخيرة. وتأمل الحكومة في الترفيع من نسبة النموّ لتبلغ 6 في المئة على الأقل لدفع عجلة الاقتصاد وتوفير مواطن الشغل. ويبقى السؤال حول تفعيل المبادئ والتوصيات والخطوط العريضة الواردة في الوثيقة الختامية للمؤتمر على أرض الواقع وتطبيقها من أجل وضع حدّ لمشكل البطالة الذي أشعل فتيل الثورة، ولايزال يهدّد الاستقرار الاجتماعي والسياسي بالبلاد.

اقرأ/ي أيضًا:

تونس، وكأنه استئناف حراك لم ينته

الاحتجاجات الاجتماعية في تونس.. عود على بدء؟