14-ديسمبر-2015

لا يسار حقيقي في سوريا الآن (عمر المحباني/أ.ف.ب/Getty)

للحديث عن اليسار في سوريا يجب ألَّا نتحدث عن يسار واحد وإنما عن خارطة منوعة لأحزاب يسارية لا تشبه بعضها، وربما لا يجمعها شيء اليوم سوى كلمة اليسار، وتتفرع هذه الخارطة بين يسار تقليدي ويسار متطرف ويسار قومي ويسار جديد مع الأخذ بعين الاعتبار أن اليسار في سوريا ذو منشأ واحد بتأثير ثورة 1917 الروسية في القرن العشرين. وعندما نتحدث عن أكثر من يسار، يعني أننا نتحدث عن أكثر من تجربة إعلامية، أو محاولة تجربة إعلامية سورية، خاصة في بلدٍ مثل سوريا، حيث ساد القمع لفترات طويلة.

للحديث عن اليسار في سوريا يجب ألَّا نتحدث عن يسار واحد وإنما عن خارطة منوعة لأحزاب يسارية لا تشبه بعضها

نشأ اليسار في سوريا عام 1924 في خضم المعارك الوطنية ضدّ الاستعمار الفرنسي وضمن الحركة العمالية التي كانت تخوض حراكًا اجتماعيًا من أجل مطالبها. وأول قائد لليسار السوري اللبناني الذي كان شخصًا واحدًا آنذاك، وهو فؤاد الشمالي عامل التبغ اللبناني من بكفيا. ويعتبر خالد بكداش الأب الروحي لليسار في سوريا القرن العشرين ومؤسس "الحزب الشيوعي السوري". وقد لعب هذا الحزب دورًا في تاريخ سوريا السياسي لمدة طويلة وكان نفوذه منتشرًا بين نقابات العمال. كل هذا قبل البعث، ولاحقًا، انقسم الحزب الشيوعي السوري على نفسه عدة مرات.

التجارب الإعلامية اليسارية في سوريا لها خلفية تاريخية متينة وواقع هش. فقد أصدرت الفصائل المختلفة للحزب صحفًا عديدة مثل "النور" التي صدرت عام 1955 وما زالت تصدر حتى الآن من قبل الحزب الشيوعي السوري، مع فارق كبير في مستوى التأثير على الجماهير بين الزمنين. وكذلك "صوت الشعب" التي صدرت عام 1937 وما زالت تصدر حتى الآن من قبل الحزب الأم. لكن كلا الحزبين اليوم عضوين في الجبهة الوطنية التقدمية للنظام الحاكم، لقاء بعض المقاعد في الوزارة والبرلمان والنقابات وغيرها. وهي مقاعد شعبية بطبيعة الحال، ما يعني أن الإعلام اليساري السوري بشكله الحالي هو إعلام مساير للنظام وشكلي أيضًا. أما على صعيد التأثير السياسي فهو تأثير غائب منذ عقود طويلة وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

اقرأ/ي أيضًا: السوريون وقصص الحنين.. سنرجع يومًا إلى حيّنا

ثمة فصيل يساري آخر، هو لجنة وحدة الشيوعيين الذي أصبح يسمى بـ"حزب الإرادة الشعبية". وهو أكثر الأحزاب اليسارية تأثيرًا ويصدر جريدة باسم "قاسيون" بعد الانشقاق الذي حصل في الحزب الشيوعي عام 2000. وهو في موقفه السياسي يقف مسافة واحدة من النظام ومن المعارضة -على ما يقوله- وتتمحور سياسته على الدعوة إلى الحل السياسي ووقف الحرب السورية عن طريق الحوار. ويقود هذا الحزب أحد تحالفات المعارضة الداخلية باسم "الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير". وكان مشاركًا في وزارة بالحكومة السورية عامي 2012 – 2013 إلى أن تم إقالته من قبل النظام وله الدور الأساسي في انعقاد مؤتمر موسكو 1 وموسكو 2 من أجل حل المأساة السورية سلميًا. "قاسيون" تعد منشورًا إعلاميًا "معقولًا" بالمقارنة مع منشورات الأحزاب التي في جيب النظام.

كان حزب العمل الشيوعي يصدر جريدة الراية الحمراء سرًا ويعتبر نفسه مختلفًا عن اليسار الرسمي

إلى ذلك، نشأ حزب العمل الشيوعي في سوريا أواسط السبعينيات في القرن الماضي، وهو من الأحزاب المعارضة القديمة للنظام. عانى المئات من كوادره من السجون والاعتقال والملاحقة والموت تحت التعذيب. كان الحزب يصدر جريدة "الراية الحمراء"، وهي منشور سرّي. ويعتبر نفسه مختلفًا عن "اليسار الرسمي". وما زال الحزب في صفوف المعارضة ضمن "هيئة التنسيق الوطنية"، إحدى تحالفات معارضة الداخل السوري.

وهناك أيضًا الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي، الذي انشق عن الحزب الأم عام 1974 وكان يصدر جريدة "الرأي". ومن ثم مجلة "جدل"، وعانت كوادره من الاعتقالات والسجون لفترة طويلة. واختفت منشوراته حتى قبل الثورة.

وإلى هؤلاء، نستطيع تمييز حزبين رئيسيين من اليسار القومي: الأول هو حزب العمال الثوري العربي الديمقراطي الذي أسسه المفكر ياسين الحافظ في الستينيات وهو حزب معارض كان يصدر نشرة "العمل الثوري" سرًا. والثاني هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وهو حزب يتبنى الأفكار الماوية الصينية. كانت قواعده العسكرية منتشرة في البقاع اللبناني والشمال السوري منطلقًا منها في هجماته ضد الجيش التركي. وكان يصدر جريدة "صوت كردستان". وكان هذا الحزب متحالفًا مع النظام السوري منذ الثمانينيات بالإضافة إلى أنه خاض معاركه الأولى إلى جانب المقاومة الفلسطينية واللبنانية في معركة قلعة الشقيف عام 1982.

وطبعًا، كما في كل البلاد التي توجد بها أرضية خصبة لوجود تيارات ماركسية، تتشر في سوريا مجموعات ومنظمات يسارية متطرفة أو ذات توجه فلسفي تروتسكي، نسبة إلى المفكر ليون تروتسكي، مثل تيار اليسار الثوري في سوريا وهيئة الشيوعيين السوريين. وهذه صحف بلا منشورات، لكنها، رغم هذا، تتساوى في التأثير الإعلامي، مع معظم فصائل "اليسار السوري"!

اقرأ/ي أيضًا: الإرهاب وأخطاء الإعلام اللبناني التي لا تحتمل