18-يونيو-2016

Getty

تختلف نظرة الجزائريين إلى رجال الحماية المدنية، عن نظرتهم إلى باقي الأسلاك النظامية، من شرطة ودرك وجمارك وجيش، لأنهم لا يتدخلون في فرض القوانين، بكل ما يترتب على ذلك من تشنجات، ويكتفون بإسعاف المواطنين والممتلكات، في أوقات وظروف حرجة، تجعل حضورهم مرتبطًا في أذهان ووجدان الناس بقيم الخير والرحمة والمساعدة والنجدة.

ارتبطت الحماية المدنية في العالم بحريق روما عام 64، ثم بحريق موسكو عام 1812 وحريق لندن عام 1866 وحريق سان فرانسيسكو عام 1906، ثم بالحرائق الناجمة عن الحربين العالميتين.

أهمية جهاز الحماية المدنية ليس فقط في القدرات التي يتحصل عليها عناصره وإنما في توافر خدمات نجدته كل الوقت

اقرأ/ي أيضًا: مطاعم الرحمة.. تكافل جزائري في رمضان

وارتبطت في الجزائر بالاحتلال الفرنسي الذي أنشأها عام 1938، وجعلها في خدمة المناطق التي يسكنها المستوطنون الأوروبيون، قبل أن تصبح جهازًا جزائريًا صرفًا تابعا لوزارة الداخلية عام 1964.

هذه النظرة الشعبية القائمة على الود إلى الجهاز، جعله يحظى بإقبال شبابي كبير، للانخراط في صفوفه، يشترط ألا يقل السن عن 19 عامًا وألا يزيد عن 25، رغم أن المسابقات الدورية والسنوية تفرز عددًا لا يتجاوز 5000، بين عون وملازم وملازم أول وطبيب، قبل أن تلعب الأقدمية دورها في الترقيات إلى نقيب ورائد ومقدم وعقيد.

صرفت الحكومة على تطوير إمكانيات الحماية المدنية الجزائرية، بما جعلها من أفضل الأجهزة في العالم، غير أن ذلك لا يتدخل، إلا قليلًا، في التخفيف من صعوبة مهام العون المرتبطة بالحريق والغرق والانهيار والحوادث المختلفة، في الأيام العادية، ناهيك عن أيام الصيام في عز الصيف، حيث تصل الحرارة في بعض المناطق إلى 47 درجة.

يقول دادي عبد الرؤوف، 1992، عون إنقاذ على مستوى محافظة تيبازة، 60 كيلومترًا غرب الجزائر العاصمة، إن أول أيام رمضان لهذا العام، شهد حريقًا على مستوى جبل شنوة، من التاسعة صباحًا إلى منتصف الليل. "أفتانا أحد الأئمة بجواز الإفطار والتعويض في يوم آخر، بالنظر إلى صعوبة المهمة ونبلها، إلا أنني رأيت مقاومة لهيب العطش، شطرًا من مقاومة لهيب النيران التي تريد أن تلتهم رئة من الرئات التي تزود الأرض بالأكسيجين". ويضيف دادي لـ"الترا صوت" مازحًا: "كأن النيران كانت تعي أننا صائمون، فتخفّ من حين لآخر بما يسمح لنا بأداء الصلاة".

يعترف دادي أن الإفطار بعيدًا عن مناخات المائدة العائلية يشكل غصة في الحلق، فهي مناخات لا يمكن تعويضها، "أحب أن أكون في المطبخ مع أمي، ساعة قبل الإفطار، رغم أن ملاحظاتي واقتراحاتي تزعجها، وتجعلها تقذفني بكل ما يقع بين يديها، كما أحب نرفزات أبي الذي لا يعجبه العجب، مما يجعلني ألعب دور الزئبق في مسايرة مزاجه".

اقرأ/ي أيضًا: إلغاء التقاعد المبكر يقلق عمال الجزائر

يسأل: "كيف يكون شعورك وأنت تضع التمر والحليب في الشاحنة وسيارة الإسعاف تحسبًا لصافرة الإنذار عند أذان المغرب، لـ"تكسر" صيامك بهما في الطريق إلى إسعاف حالة طارئة، ثم تواصل الأكل واقفًا مع عمال المستشفى المقصود، فقد يقرر الأطباء نقل المصابين إلى مستشفى أكثر اختصاصًا وقدرة على إسعافهم؟".

يشكل الإفطار بعيدًا عن مناخات المائدة العائلية غصة في الحلق، فهي مناخات لا يمكن تعويضها

تتعدد الحالات التي تقتضي أن يسعفها رجال الحماية المدنية، دقائقَ قبل أذان المغرب، وهي اللحظة التي يقدسها الجزائريون وترفض نسبة كبيرة منهم التنازلَ عن قضائها في البيت. "أسعفنا شابين في مقتبل العمر، وجدا نفسيهما على دراجة، وجهًا لوجه مع شاحنة، وسائقًا انحرف بسيارته من الجهة اليسرى إلى الجهة اليمنى في الطريق السريع. ما أصعب أن تواجه شابًا انتحر وآخرَ أحرق نفسَه".

يقول عبد الرؤوف دادي إن مؤسسة الحماية المدنية، تخصص مع حلول فصل الصيف فرقة خاصة تسمى "الرتل المتنقل لحرائق الغابات". "كثيرًا ما ينتابني هذا السؤال: ماذا لو عدنا بدون أحدنا في حريق مبنى أو غابة؟ ثم سرعان ما أنسى جهنم السؤال بجنة الأجواء الرمضانية التي نصنعها بأنفسنا". يحدثنا عن ذلك: "في رمضان تكون الوجبات مدعمة من رئيس الوحدة، ونشرع جميعًا في التحرك داخل المطبخ لنساعد صديقنا الطباخ على تهيئة أطباق الإفطار، والإعداد للسهرة طمعًا في أن تكون خالية من حريق ما".

يختم عون الحماية المدنية الجزائرية حديثه لـ"الترا صوت" برواية حادثة طريفة: "قبل الإفطار في أحد أيام رمضان عام 2013، أسعفنا شابًا عمره 26 عامًا، تعرّض إلى حادث مرور مروّع، وبينما نحن في طريقنا إلى المستشفى، وننتظر منه أن يلفظ أنفاسه في أي لحظة، طلب مني أن أخرج سيجارة من جيبه وأناوله إياها".

اقرأ/ي أيضًا: 

عن تجربة المدارس المختلطة بين الجزائر وفرنسا

فقدان الأب في الجزائر.. اليتم الأصعب