20-سبتمبر-2016

أنجيلا ميركل 2008

مؤخرًا في العاصمة الألمانية برلين، أظهر استطلاع حديث أن تأييد المواطنين لحزب الاتحاد المسيحي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انخفض إلى أقل مستوياته هذا العام، فيما ارتفع تأييدهم لحزب البديل الألماني "AFD" المعارض للاتحاد الأوروبي والمناوئ لعمليات إنقاذ اليورو إلى أقصى درجاته هذا العام. من جانبها، اعترفت ميركل يوم الاثنين (19 أيلول/سبتمبر 2016)، بتحملها جزءًا من المسؤولية عن هزيمة حزبها المحافظ "الحزب المسيحي الديمقراطي" في انتخابات ولاية برلين، ووصفتها بأنها "مريرة للغاية". واعتبرت المستشارة أن الناخبين عاقبوا الحزب، بسبب سياساتها المُرحبة بالمهاجرين. مضيفةً أنها كانت لتعود بالزمن إلى الوراء لو كان ذلك سيسمح لها باستعداد أفضل لتدفق نحو مليون مهاجر. بحسب رويترز. تصريحات أخرى أوردتها بي بي سي عن ميركل حيث قالت عقب اجتماعات الهيئات العليا لحزبها بالعاصمة، إن سبب هذا الأداء السيئ للحزب، وتقدم اليمين الشعبوي المعادي للأجانب واللاجئين، ممثلاً بحزب "البديل من أجل ألمانيا"، هو أنه لم يتم توضيح اتجاه سياسة اللجوء، وهدفها بشكل كاف. وأكدت المستشارة أنها تتحمل المسؤولية عن جميع قراراتها السابقة حول اللاجئين بشكل تام. وأشارت إلى أنه على الرغم من أن فتح الباب أمام اللاجئين كان صائبًا فإنه أسفر في النهاية عن "أننا لم نسيطر (على الوضع) بشكل كافٍ".

هذا الواقع أدّى إلى إعادة طرح العديد من التساؤلات حول طبيعة عودة اليمين وأسبابها والظروف التي تحيط بها، وإلى أن تظهر الإجابة للأوروبيين فليس أمام العرب الوافدين إلى أوروبا سوى دفع ثمن مضاعف

في سياق متصل، يمكننا العودة بالزمن قليلًا إلى الوراء ومراجعة الحوار الصحفي الذي أجرته ميركل مع صحيفة "فيرتشافت فوخه" حين أعلنت المستشارة الألمانية نيتها التخلي عن شعار "سننجح في ذلك"، وهي الجملة التي قالتها قبل أكثر من عام للشعب الألماني، تشجيعًا على استقبال اللاجئين، وتحولت إلى شعار بعد أن أصبح عرضة للنقد الشديد حتى بين حلفائها. واستطردت ميركل قائلة إنها تعتقد أنه تمت المبالغة قليلاً في استخدام هذه الجملة إلى درجة دفعتها إلى التوقف عن استخدامها، فقد تحولت إلى مجرد شعار بات خاليًا من المضمون كما أن البعض بات يشعر بأنه مستفز لدى سماعها، والهدف لم يكن كذلك بالتأكيد، موضحة أنها عندما استخدمت هذه العبارة للمرة الأولى في آب/أغسطس 2015 كان الهدف القول إن ألمانيا "بلد قوي سيخرج قويًا" من أزمة الهجرة.

اقرأ/ي أيضًا: منح ماجستير ودكتوراه الرياضيات في ألمانيا

وبعيدًا عن ألمانيا التي لم تصل بعد العنصرية فيها إلى مثيلتها في دول شرق أوروبا، فإننا نشهد هذه الأيام تزايدًا ملحوظًا في حدة الخطابات العنصرية الصادرة من القارة الأوروبية، ومع كل يوم جديد يبدو أن أصحاب هذه الخطابات يكتسبون مساحة جديدة فوق أرض لطالما صدّرت نفسها كمكان لأنوار التسامح والتعايش وللحفاظ على قيم الليبرالية والتعددية. ربما يكون مفهومًا حضور الهجرة ووجود الأجانب كأكثر الأسباب المتكررة في ذلك الخطاب العنصري ولكن الأمر الأخطر هو أن الأصوات العنصرية في أوروبا لم تعد ممثلة لعقليات متشددة ومعزولة عن محيطها الاجتماعي سرعان ما ستتوقف موجاتها عند خطاب رسمي يحظى بدعم شعبي، بل أصبحت جزءًا رئيسيًا من ثقافة النخب السياسية والثقافية. تلك النخب التي حملت في الماضي لواء "الارتقاء بثقافة الشعوب" وتبني مبادئ التنوير ودافعت عن حق المهاجرين في العيش بكرامة في أرضهم الجديدة هي ذاتها النخب التي يتكفل بعض أفرادها بمهمة التكفير عن "ذنوب" في حق بلادهم على حساب "القادمين من الخارج". بعبارة أخرى، نحن نشهد تحولاً أوروبيًا خطيرًا يجعلنا نرى سيادة ثقافة الشارع والخطابات الشعبوية المُهيّجة في ظل خفوت أصوات التقدميين والإصلاحيين.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون وإثبات حسن النيّة

في بلجيكا، شهد البرلمان قبل أيام قليلة واقعة عنصرية كان بطلها لوك فان بيسن، أحد نواب الحزب الليبرالي الفلمنكي، حيث تفوه بعبارات وُصفت بـ"العنصرية" في حق مريم كثير النائبة من أصل مغربي عن الحزب الاشتراكي الفلمنكي. لم يجد النائب البلجيكي على لسانه سوى عبارة "ارحلى وعودي إلى بلدك إذا لم تكوني سعيدة" ليخاطب النائبة وكأنه يسبّها، الأمر الذي يعكس حالة كبيرة من العنصرية في بلد لطالما اعتبر نموذجًا للتعايش ورمزًا للاتحاد الأوروبي. ما من مبرر سياسي مقبول لمثل تصريحات كهذه في الديمقراطيات الأوروبية العريقة التي تكفل حق المعارضة ولا تقوم بإلحاق تهم العمالة والتخوين بمجانية على من يخالف الحكومة -أو النظام- الرأي، ولكن النائب المشبع بثقافة اليمين المتطرف يجد الأمر سهلاً ومقبولًا مع تصاعد خطاب عنصري متشدد يظهر على شاشات التلفزيون ويتصدر أعمدة الصحف في أوروبا، بنية الدعاية القصوى لأحزاب يمينية قد تعود إلى السلطة مرة أخرى.

هكذا يبدو المشهد السياسي الأوروبي في الفترة الأخيرة، مستقطبًا ومفعولاً به سهل الانقياد وراء الخطابات الجامحة وذلك على وقع الأزمة الخانقة التي تتمثل في تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مع تزايد عدد اللاجئين العرب القادمين من مناطق التوتر وتدفقهم إلى أوروبا. هذا الواقع أدّى إلى إعادة طرح العديد من التساؤلات حول طبيعة عودة اليمين وأسبابها والظروف التي تحيط بها، وإلى أن تظهر الإجابة للأوروبيين فليس أمام العرب الوافدين إلى أوروبا سوى دفع ثمن مضاعف لتطرف إسلامي وتطرف مسيحي مضاد يحاول كل منهما إلغاء الطرف الآخر.

اقرأ/ي أيضًا:
منفذ هجوم ميونخ كان مهووسًا بالقتل الجماعي
على الإمبراطورية اللاتينية أن تثأر