27-سبتمبر-2016

تاجر دمشقي بين عامي 1900- 1920

صورة وحيدة فقط تجمعني بجدِّي لأبي، قسطنطين لازار، الذي أهديته ترجمتي لرواية "المغتربون" تأليف ف.ج. زيبالد، لأنه توفي بعد التقاط هذه الصُّورة بعدة أشهر.

جاء جدي إلى سوريا في بداية العقد الثَّاني من القرن الماضي، إبَّان الانتداب الفرنسي على سوريا، قادمًا من مدينة تبليسي في جورجيا على متن سفينة فرنسية، هربًا من الثَّورة الشيوعية بعد اجتياح الجيش البلشفي لجورجيا، إما لأنه كان ينتمي إلى عائلة مناهضة للثورة، وهو أصغر الأبناء، أو هربًا من الحرب، لا أحد منا يعرف على وجه التحديد، وكل ما عرفته أنا وإخوتي كان من خلال أحاديث والدي وعمّي وعمّاتي، وما كانوا يعرفونه قليل بالنَّظر إلى أن جدي كان شخصًا كتومًا على حدِّ قولهم، فقط عمي، شقيق والدي الوحيد وأكبر الإخوة، كانت له بعض المراسلات مع أقارب جدي الذين كانوا يقيمون في روسيا أو أوكرانيا، ومنهم من قتل في الحرب العالمية الثانية، كان عمي يتقن اللغة الروسية، والفرنسية أيضًا، ولا أدري حقًا كيف تعلمها وهو لم يكن يحمل أي شهادة تعليمية، ربما تعلمها من والده، جدِّي الذي عرفنا أنه كان يتقن عددًا من اللغات.

مع قدوم جدي تلك الأيام إلى سوريا وكان شابًا صغيرًا حينها، جُنِّد في الجيش الفرنسي، في فرقة الهجَّانة وهي شرطة الحدود في تلك الأثناء. تعرَّف في مدينة دير الزور إلى جدَّتي التي كانت تقيم عند أقاربها، بعد مقتل والدتها فيما يسمى (مذابح السّريان)، وهي من مدينة ماردين التي تتبع اليوم إلى تركيا.

ولأن جدي كان عسكريًا، كانت العائلة تنتقل من مكان إلى آخر بحسب الموقع الذي كان يؤدي فيه جدي خدمته، على سبيل المثال، ولد عمي في مدينة دير الزور، والدي في مدينة تدمر، عمَّتي في مدينة سلميَة التي تتبع إلى محافظة حماة. وهكذا مع انتهاء فترة الانتداب الفرنسي على سوريا، خُيِّر جدي ومن مثله من جنود قادمين من بلاد أخرى بين العودة إلى بلدانهم أو الحصول على الجنسية الفرنسية والذهاب إلى فرنسا، غير أن جدي لم يكن راغبًا لا بهذا ولا بذاك، فضّل البقاء في سوريا وانضم إلى الجيش السوري المؤسس حديثًا، حارب في فلسطين عام 1948 وانقطعت أخباره طويلًا حتى خُيِّل إلى زوجته وأبنائه أنه قتل، هذا ما عرفته من الأحاديث التي كانت تدور بين والدي وأخيه وأخواته كلما اجتمعوا، لكنه عاد أخيرًا. 

مُنح جدي عددًا من الأوسمة كانت مثبتة على قطعة قماش ومعلَّقة على أحد جدران البيت، غير أنها جميعًا ضاعت عندما طاف بيت جدي بعد انهمار غزير للأمطار في ثمانينيات القرن الماضي. بعد تسريحه من الجيش، وظِّف في أحد معامل مدينة حمص، وتوفي لاحقًا متأثرًا بمضاعفات مرض السُّكَّري. 

اقرأ/ي أيضًا:

من تحت الأنقاض

البلاد شجرة تفاح كبيرة