17-سبتمبر-2015

تتواصل أزمة الثقة بين الجزائري وصحافة بلده(فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

تعاني الصحافة الجزائرية من غياب ثقة المواطنين فيما تنقله. وينشغل المواطنون خاصة بقضايا أحيائهم الصغيرة وبلدياتهم ومشاكلهم اليومية التي لا يتعرض لها عادة الإعلام الجزائري، بسبب ممارسي المهنة الذين يبيعون صمتهم للمسؤولين المحليين، مقابل مصالح وامتيازات شخصية.   

تصدر في الجزائر أكثر من مئة صحيفة يومية باللغتين، العربية والفرنسية، أغلبها ذات طابع وطني بينما تبقى الجرائد المحلية محدودة نسبيًا، بسبب المركزية المفرطة التي تعرفها العاصمة، فيما يتعلق بالقرارات والمؤسسات والإدارة بصفة عامة.

ويتوقع الجزائريون أن تكون صحافتهم حلقة وصل بين المواطنين من مختلف المحافظات والمسؤولين في أعلى المناصب الحكومية. فيكون الإعلام بذلك قريبًا من الشعب ويضمن التغطية الإعلامية لكامل التراب الجزائري، عن طريق فتح مكاتب جهوية وتعيين مراسلين محليين في كل المدن.

لكن القرب بين المواطنين والصحافة، المفترض تحقيقه، ظل في الغالب مجرد قرب وهمي لا يلبي تطلعات الراغبين في نقل مشاغلهم ومشاكلهم، إذ وجدوا أنفسهم مقموعين من قبل أغلب المراسلين، الذين تحولوا إلى عملاء لدى المسؤولين المحليين كرئيس الدائرة ورئيس البلدية ووالي المحافظة.

يتكتم بعض المراسلين على تجاوزات المسؤولين في الجزائر مقابل تحقيق مصالحهم الشخصية، مما أفقدهم ثقة الشعب

يتكتم بعض المراسلين على تجاوزات المسؤولين بالجهة مقابل تحقيق مصالحهم الشخصية، ما جعلهم بلا مصداقية وأفقدهم ثقة الشعب. في سياق متصل، يتحدث بعض المواطنين لـ"ألترا صوت": "اتصلنا بمراسل صحيفة معروفة وحدثناه عن حرماننا من حقنا في المساكن الاجتماعية، وقدمنا له الوثائق التي تثبت ذلك لكنه لم يهتم بالموضوع، ببساطة، لأن شقيقه كان من المستفيدين".

ونظرًا إلى امتيازات المسؤولين، التي يحصل عليها المراسلون خاصة الذين يعملون في صحف وطنية معروفة، تحول العمل كمراسل إلى حلم الكثير من المواطنين، رغم الأجر المتدني الذي توفره الصحيفة عادة وغياب العقود والتأمين الاجتماعي أحيانًا. وعن تجربته الخاصة، يقول جمال لـ"ألترا صوت": "أنا معلم بالإبتدائي، وعملت كمراسل في العديد من الصحف المحلية والوطنية لكني لم استفد شيئا، إذ يهتم المسؤول خاصة بالصحف المعروفة والأكثر قراءة وانتشارًا".

هكذا، لا تصل عديد القضايا المتعلقة بالفساد إلى قاعات التحرير وتبقى حبيسة المكاتب الجهوية. ويتناقل الصحفيون من أصحاب الخبرة الطويلة أن مديري المكاتب الجهوية للصحف المعروفة استبعدوا صحفيين جدد لإصرارهم على كشف تلاعب بعض المسؤولين، حرصًا على مصالحهم الشخصية التي تربطهم بهؤلاء.

يذكر سمير، مراسل صحفي، قصته مع محافظ بالجهة التي يشتغل فيها: "تعرضت للمساومة ووعد أن يمنحني بيتًا وسط المدينة لكني رفضت عرضه". ويضيف: "تعرضت أيضًا لاستفزاز مدير المكتب الجهوي وكنت أتغاضى عن ذلك ودعاني أكثر من مرة للتخلي عن بعض المقالات ضد مسؤولين محليين وفي النهاية لفق لي تهمة الرشوة وتم استبعادي من الصحيفة التي عملت بها لسنوات طويلة".

أمام هذا الوضع، لم يجد المواطنون إلا حل الانتقال إلى العاصمة وطرح مشاكلهم وقضاياهم مباشرة إلى المكاتب المركزية، في حين تختار فئة أخرى توجيه رسائل مفتوحة إلى ولاة ووزراء لطرح مفصل لمشاكلهم عن طريق مراسلة الصحف عبر البريد العادي أو الإلكتروني.   

من جهة أخرى، يتهم بعض الجزائريين الصحافة بالكذب والمغالطة، فيما يتعلق بنقلها لتصريحات المسؤولين، الذين لا يلتزمون عادة بتصريحاتهم ويغيرونها حسب الظروف، وهو ما يجهله المواطن فيتهم الصحيفة أو الصحفي صاحب الخبر خطأً. في هذا الإطار، تقول كريمة، مراسلة صحفية: "صرح والي المحافظة أنه سيتم توزيع المساكن الاجتماعية بعد شهر، وقد نقلت التصريح دون تحريف، لكن المنازل لم توزع واتهمني أبناء المحافظة بالكذب والإدعاء".

وتتكرر هذه الحوادث بشكل دائم. إذ نقلت الصحافة الجزائرية مؤخرًا تصريحات حكومية حول زيادة أجور الأساتذة الجامعيين، ومن ثم اتضح أن الزيادة لن تتم، فتم توجيه الاتهام للصحافة بتضليل الرأي العام وهو ما يزيد في توتير علاقتها بالمواطنين.