20-أغسطس-2015

ما زال جرحى الثورة يتلمسون جراحهم إلى الآن (أ.ف.ب)

كلّما تحدّث الناس عن الربيع العربي، ذكروا بلد البداية تونس. وفي تونس، كلّما ذُكرت الثورة يسطع اسم بعض المدن ومنها "تالة". شهدت هذه المدينة، الواقعة قرب الحدود الجزائرية التونسية، مواجهات حادة بين قوات النظام والمتظاهرين الشباب منذ بداية ثورة التونسيين في وجه نظام بن علي ونتج عن ذلك خسارتها 6 من أبنائها وجرح واعتقال عشرات آخرين.

وبعد حوالي 5 سنوات، تغيرت أوضاع "أبناء الثورة" في تالة. يذكر كل منهم منطلق القصة والحلم كأنه حصل منذ أيام قليلة، لكنه يعود تدريجيًا للواقع المعيش والذي لم يتوقعوه عندما انتفضوا ذات كانون الثاني/يناير 2011.

يقول نضال القفصي، شاب عشريني وأحد جرحى الثورة، لـ"الترا صوت"، "تم توظيفي في محكمة محلية في كانون الثاني/يناير 2013 لأني جريح ثورة، لكن الألم الذي ما يزال في ساقي ينغّص الفرحة بالوظيفة وبزواجي قريبا من المرأة الّتي أحب".

اختار نضال علاج إصابته بماله الخاص حسب قوله، لكنه يؤكد "أن البعض من أصدقائه مازالوا يعانون من أثر الرصاص أو التعذيب ولم تتدخل الدولة لعلاجهم رغم مرور كل هذه الفترة".

يعاني البعض من شباب الثورة من أثر رصاص  القمع ولم تتدخل الدولة لعلاجهم رغم مرور كل هذه الفترة

يعاني عبد الباسط حيوني من إصابات متعددة في جسمه من أثر الضرب والاعتقال، وأدت هذه الإصابات إلى كسور عظمية وسقوط أسنانه. يتحدث الشاب الذي تجاوز الثلاثين، لـ"الترا صوت"، "رفعت قضايا ضد الذين تسببوا في وضعي الحالي، وأنا في انتظار التعويضات المالية لإجراء عملية جراحية".

كثيرون من أمثال نضال وعبد الباسط متّعتهم الدولة بوظائف ذات دخل متوسط، ضمن قانون تشغيل عائلات شهداء وجرحى الثورة، وهو ما نقلهم من حالة التهميش والفقر وإدمان الكحول والمخدرات إلى وضعيات أفضل. بنى بعضهم منازل وتزوج البعض وأسس آخرون مشاريع صغيرة لزيادة دخلهم المالي.

أما قيس منصري، وهو شاب عشريني كان يدرس الفرنسية في الجامعة التونسية عند انطلاق المواجهات مع نظام بن علي، فقصته مختلفة عن باقي شباب المدينة.

سمع قيس بانطلاق المواجهات في مسقط رأسه فعاد حاملًا معه الأمل في وضع أفضل، وشارك في المظاهرات فأصابته رصاصة في فخذه ومنعته من مواصلة الدراسة. لم يتمتع الشاب الجريح بوظيفة من الدولة وانتقل في شهر شباط/فبراير سنة 2013 إلى سوريا حيث التحق بإحدى التنظيمات المسلحة هناك.

يتحدث عصام، أخو قيس منصري، لـ"الترا صوت"، "وصلنا خبر وفاة أخي بعد 5 أشهر. كان الخبر أشبه بالمصيبة التي حلت بنا". ويضيف "قدمت مطلبا إلى الحكومة قصد تمتيعي بوظيفة عوضًا عن أخي المتوفى. وعدوني بذلك خاصة وأن عائلتي من العائلات الفقيرة في الجهة. لكن شيئًا لم يتحقّق إلى الآن". وعصام شاب عاطل عن العمل رغم حصوله على شهادة تخرجه من الجامعة التونسية منذ سنوات.

يشاع في تالة أن كثيرًا من الذين يدّعون أنّهم جرحى ثورة ليسوا كذلك بل إن بعضهم دلّس شهادات طبية

في تالة، لم يتمتع العديد من المصابين خلال أيام الثورة الأولى إلى الآن بوظيفة أو تعويض، وهم يتحسرون على حالهم ويبحثون عن "آذان صاغية يبثونها مشاكلهم وهمومهم بعد أن خاب أملهم من الثورة". لكن يشاع في المدينة الصغيرة أن كثيرًا من الذين يدّعون أنّهم جرحى ثورة ليسوا كذلك، بل إن بعضهم دلّس شهادات طبية بمعية أطباء ومساعديهم. ويروّج بعض متساكني تالة أن الوضع في مدينتهم يزداد سوءا ويعللون ذلك بارتفاع نسب إدمان المشروبات الكحولية و"الزطلة"/ القنب الهندي، خاصة في صفوف الشباب والأطفال، ويؤكدون أن الدولة شبه غائبة أو متواطئة حين لا تلقي القبض على مروّجي المخدرات رغم نشاطهم العلني غير المرخّص له.